نشأ النقد الأدبي بين الشعراء في الجاهلية .. وظل على ذلك حقباً طويلة ..
حتى وُضعت علوم العربية .. فوضعت معها قواعده وأصوله ..
وكان الشعر الجاهلي فن العرب وصناعتهم المحببة .. وقد دأبوا في تطويره وتجويده جيلا بعد جيل ..
وحين نضج واكتملت صورته الفنية .. فتنوا به .. وتذوقوه .. وتغنوا به ..
ونظروا فيه تلك النظرة التي تلتئم مع حياتهم وطبيعتهم ..
فأعلنوا استحسانهم لما استجادوا منه .. واستهجانهم لما استقبحوا ..
في عبارات موجزة .. وأحكام سريعة .. نلمح فيها أثر البساطة .. وقرب المأخذ .. دون تعمق في البحث والدراسة والتحليل ..
خصائص النقد في العصر الجاهلي ..
نستطيع أن نتعرف سمات النقد في العصر الجاهلي من خلال الملاحظات النقدية التي وصلتنا على ألسنة بعض الشعراء في الجاهلية .. فمن الآراء والأحكام التي وصلتنا ..
1-أن طَرَفَةَ بن العبد استمع - وهو لا يزال غلاما - إلى المسيب بن علس ينشد إحدى قصائده .. وقد ألمَّ فيها بوصف بعيره قائلا :
وقد أتناسى الهم عند إحضاره *** بناج عليه الصَّيعريَّة مُكْدَمِ
والصّيعريَّة سمة خاصة بالنوق لا بالجمال .. تكون في أعناقهن ..
فقال طرفة عبارته المشهورة ..||استنوق الجمل||
$ ناج $ .. البعير
$ مكدم $ .. صلب قوي
2- ومن ذلك ما يروى عن النابغة الذبياني من أنه كان (يُقوي) في شعره ..
والإقواء .. المخالفة بين حركات الرويّ في القصيدة ..
وتصادف أن قدم المدينة .. فعاب أهلها ذلك عليه ..
وقالوا لجارية رتلي في قوله :
من آل ميّةّ رائحٌ أو مغتد *** عجلانَ ذا زاد وغير مزوَّدِ
زعم البوارحِ أن رحلتنا غداً *** وبذاكَ خبَّرنا الغرابُ الأسودُ
فلما مدّت صوتها بقافية البيتين .. أُحسّ ما بهما من نشاز ..
ولم يلبث أن غيّر الروي المضموم في البيت الثاني .. فجعله مكسورا حيث قال ..
(زعم البوارح أن رحلتنا غدا ** وبذاك تنعابُ الغرابِ الأسودِ)
وعقب النابغة على هذه الحادثة بقوله ..
(قدمتُ المدينة وفي شعري ضعة .. ورحلت منها وأنا اشعر الناس)
$ البوارح $ .. ما مرّ من الطير والوحوش .. وهي رمز للشؤم ..
3- ومن أقدم ما وصلنا من هذه الأحكام أن امرأ القيس وعلقمة بن عبدة تنازعا في الشعر أيهما أشعر ..
واحتكما إلى أم جندب زوجة امرئ القيس ولعلها كانت شاعرة ..
فقالت : لينظم كل منكما قصيدة يصف فرسه فيها .. ولتلزما وزنا واحدا وقافية واحدة ..
فصنع كل منهما قصيدة بائية من وزن الطويل وأنشداها القصيدتين ..
فقالت لزوجها : علقمة أشعر منك ..
قال: كيف؟؟!!
قالت: لأنك قلت :
فللسوط ألهوبٌ وللسّاقِ دِرَّة *** وللزَّجرِ منه وقع أهوجَ مِنْعبِ
فجهدت فرسك بسوطك في زجرك ومريته .. فأتعبته بساقك..
وقال علمقة:
فأدركهُنَّ ثانيا من عنانه *** يمرُّ كمرِّ الرائحِ المُتحلِّبِ
فأدرك فرسه ثانيا من عنانه برفق .. لم يضربه بسوط ولم يتعبه ..
اقرا المزيد عن تعريف العصر الجاهلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق