لا يعترف كثيرون انهم يئنون تحت وطأة أمراضٍ نفسية؛ رغم تأكيد الطب ذلك. وفي المقابل تتعالى التحذيرات من ان اخفاء الأمر ينطوي على مشكلات أكبر.
ومن ذلك ما سرده «عبدالرحيم» الشاب العشريني الذي شاطرنا حكايته التي سرد فيها تفاصيل مشواره مع المرض النفسي. عبدالرحيم قال «انا شاب من اسرة محافظة؛ الثاني في الترتيب بين الذكور والاناث.
ويتابع «نشأتُ في جو عادي جدا، تعيشه أي اسرة متوسطة الحال، تربينا على تعاليم الدين والدراسة والتربية الحسنة، الا انني وفي سن التاسعة عشرة أصبت بآلام شديدة كلها جسمانية مع خمول رهيب، وكسل عام؛ ما اضطرني للغياب بالأشهر عن دراستي، زرت اطباء ومستشفيات وكانوا جميعا يصرفون علاجات من الأدوية المسكنة لألمي الذي كنت أحس به في الرأس والرقبة والظهر والمفاصل، الى جانب احساسي بعدم التركيز وتشتت الفكر وسوء المزاج».
ويزيد العشريني عبدالرحيم « وجاء الفرج على يد صديقٍ لوالدي اطلعَ على حالتي، ونصح عائلتي باللجوء الى الطب النفسي، وكان انْ شخص الطبيب مرضي؛ على
انه اكتئاب، داومت على العلاج، والحمدلله اتمتع اليوم بصحة جيدة، رغم ان أهلي في بداية الأمر استبعدوا، بل واستهجنوا الامر، الا ان ما شاهدوه فيما بعد من تحسن في صحتي؛ أكد لهم ان التشخيص والعلاج هما من بعد الله كانا السبب في عودتي الى حياتي الطبيعية، واستكملت دراستي وانا اليوم اعمل وارتبطت بإنسانة رائعة وحياتي على خير ما يرام بفضل الله».
قصة عبدالرحيم، وقصص اخرى مماثلة قادتنا الى طرح سؤال عن المرض النفسي ومدى انتشاره بين المواطنين، بل قادنا السؤال الى حقائق طبية وعلمية سردها الدكتور محمد حمدالله الدباس اسشاري الطب النفسي اذ قال «إن المرض النفسي هو الأكثر انتشاراً بين جميع الأمراض كافة، وإن إحصاءات منظمة الصحة العالمية تشير إلى وجود حوالي 450 مليونَ نسمة في العالم يعانون من الاضطرابات النفسية بنوعيها الشديدة والخفيفة، وبحسب المنظمة؛ يعاني شخصٌ من كل أربعة أشخاص في العالم لمرة واحدة في عمره من أحد أنواع الاضطرابات السابقة. وأن عبء الصحة النفسية في العالم يشكل 13% من مجموع ما ينفق على الصحة بشكل عام.
وفي الوطن العربي تحديدا اشار د. الدباس إلى أن 10% على الأقل من سكان الوطن العربي يحتاجون إلى علاج نفسي، وذلك وفق إحصاءات (منظمة الصحة العالمية)، ويرجع ذلك إلى موقف الأسرة العربية الغريب في حال إصابة أحد أفرادها بالمرض النفسي، والاضطراب الذي يمكن أن يصيب كل أفراد الأسرة، ويرجع أيضاً إلى النظرة السلبية للمرض النفسي والشائعات الشعبية التي تحاك حوله، وصورة طبيب الأمراض النفسية في وسائل الإعلام».
اكتئاب وقلق النفسي
وعن المجتمع الاردني تحديدا قال الدكتور الدباس « يعتبر الاكتئاب والقلق النفسي من أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في الأردن وذلك بسبب تزايد الضغوط الاجتماعية مثل البطالة والفقر والعنوسة، فضلاً عن الضغط الوظيفي ، فكثير من الناس لا يستطيعون التعامل مع المشكلات اليومية في العمل، وهنا يكون الموظف غير قادر على اتخاذ القرار، ويشعر بالتعب الجسماني بشكل كبير، ومن الأمراض الأكثر شيوعاً هذه الأيام مرض (اضطرابات النوم) وتعتبر من الظواهر المشتركة بين كل الأمراض النفسية، وقلة النوم تؤثِّر على الصحة العامة، ويفقد المريض القدرة على متابعة حياته بشكل عادي ويجد صعوبة بالغة في التوازن العام في حياته اليومية.
وعن خطورة ابرز الامراض النفسية المنتشر في مجتمعنا اوضح الدباس انه «يطلق على الاكتئاب مرض العصر الحالي، اذ تؤدي الإصابة به إلى العزلة وفقدان الاهتمام بالحياة، وتزايد التفكير بالانتحار».
ويضيف استشاري الطب النفسي ان الاكتئاب يصيب النساء أكثر من الرجال «. ويزيد انه وحسب الدراسات فانه وبحلول العام 2020 سيحتل الاكتئاب ثاني اكبر مشكلة تلحق الضرر بحياة الناس ويسبقه بذلك أمراض القلب ويسبق الاكتئاب حوادث السير و الأمراض الدماغية وأمراض الرئة و في دول العالم المتقدمة سيحتل المرتبة الثالثة , أما في بلادنا فسيحتل المرتبة الأولى سابقا بذلك حتى أمراض القلب.
وعن سؤال كيف يتم تشخيص الاكتئاب النفسي، قال: انه طبقاً لدليل التشخيص الأمريكي الرابع يتم تشخيص الاكتئاب إذا توافر خمسة أعراض أو أكثر من الأعراض التالية: مزاج اكتئابي وحزن مستمر معظم الوقت ،وفقدان الاستمتاع بالهوايات أو الأنشطة التي كنت تستمتع بها من قبل بما فيها الجنس ،والإحساس بالذنب وفقدان القيمة وعدم الحيلة، وكذلك الأرق خصوصاً في الساعات الأولى من النهار والاستيقاظ قبل الفجر وأحياناً النوم الكثير، وبين ان صعوبة التركيز والتذكر والتردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وفقدان الشهية ونقص بالوزن أو زيادة الشهية وزيادة الوزن ،و فقدان الحيوية والإجهاد والبطء الى جانب وجود نظرة تشاؤمية للماضي، والحاضر، والمستقبل، والتفكير في الموت أو الانتحار أو محاولة الانتحار هي من المؤشرات التي تشخص الاصابة، الى جانب أعراض جسمانية مستمرة مثل الصداع واضطرابات الهضم أو الآلام المستمرة.
المرأة أكثر عرضه من الرجل
وبين الدباس ان هناك اتفاقا بين الأبحاث التي أجريت على أن معدل الاكتئاب عند المرأة ضعف معدله عند الرجل ، حيث كان هناك اعتقاد في الماضي بأن هذه النتائج ربما تكون خادعة حيث إن المرأة أكثر تعبيراً عن حالتها الوجدانية من الرجل وأكثر قبولاً للمساعدة الطبية النفسية ولذلك يظهر اكتئابها في حين لا يظهر بسهولة اكتئاب الرجل ولكن الأبحاث المنضبطة أثبتت أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب وبنسبة تزيد عن الضعفين وهي زيادة حقيقية لا تقبل الشك.
وزاد الدباس ان سن المريض من العوامل المؤثرة على الصورة الإكلينيكية للاكتئاب ، فكثيرا ما تتغير صورته مع تغير العمر. ففي الأطفال مثلا يأخذ صورة اضطرابات نمائية، فمثلا يفقد الطفل تحكمه في البول بعد أن كان قادرا على ذلك، أو يبدأ قي إظهار صعوبة قي النطق كالتأتأة أو التلعثم بالكلام مثلا بعد أن كان كلامه سلسا. وفي الأطفال الأكبر والمراهقين يأخذ الاكتئاب صورة اضطرابات سلوكية وعدوانية فيبدأ الطفل أو المراهق في الكذب أو السرقة دون داع وربما اعتبر الوالدان ذلك خللا في التربية دون النظر إلى انه قد يكون تعبيرا عن مشاعر حزن دفين . وكثيرا ما يأخذ الاكتئاب صورة أعراض جسدية في السن الصغير وأيضا الكبير، وبدلا من أن يقول المريض انه حزين فانه يترك ذلك لجسده الذي يبدأ في التألم فتبدأ المعاناة من أمراض الجهاز الهضمي أو الحركي أو غيرهما، في حين أن الاكتئاب في المسنين يظهر بصورة اضطرابات في الذاكرة والتركيز والنسيان فيحدث الخلط بين مريض الاكتئاب و مريض عته الشيخوخة او الخرف.
وعن أسباب اكثر الامراض النفسية شيوعا بين المواطنين قال ان هناك عدة أسباب تتداخل معاً لظهور أعراض الاكتئاب من ضمنها اسباب عضوية، مضيفا أن الدراسات التي أجريت تدل على أن هناك عواملَ وراثية لظهور الاكتئاب في بعض العائلات.
وزاد ان هناك بعضَ الأشخاص ممن لهم سمات معينة في طبيعة شخصيتهم تؤهلهم أكثر من غيرهم للإصابة بالاكتئاب ومنها: الروح الانهزامية، الاعتمادية على الغير، المتأثرون بالمتغيرات الخارجية والشخصيات القلقة والتي لها دائماً نظرة تشاؤمية للأمور.
وعن البيئة المحيطة قال الاستشاري: إن كثرة التعرض للعنف والاعتداء النفسي أو الجسدي، كذلك كثرة الضغوط الخارجية على الإنسان دون وجود متنفس لها تدعو
الى الشعور بعدم جدوى الحياة وهي أهم المؤديات للاكتئاب.
وعن كيفية علاج الاكتئاب النفسي، قال: انه يستحسن في جميع حالات الاكتئاب النفسي أن يكون العلاج متكاملاً وشاملاً لجميع المستويات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والروحية؛ لكي يكون الشفاء كاملاً وممتداً بإذن الله. وختم د.الدباس بانه
ولحسن الحظ فإن الاكتئاب النفسي من الأمراض التي يمكن علاجها (80-90%) من الذين يواظبون على العلاج الموصوف لهم يتم شفاؤهم بنسب عالية. ولكن من مشاكل الاكتئاب هو صعوبة التعرف إليه وعندئذ يجب التوجه إلى الطبيب لتلقي العلاج في الوقت المناسب. حيث إن التأخر في استشارة الطبيب يكون له توابع سلبية على سير الخطة
العلاجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق