الأربعاء، 4 أبريل 2012

مفهوم الحكاية


لقد كان بورخيس مشتغلا أساسا بقضايا الحكي: إلا أنه كان يطرح هذه القضايا بطريقته الخاصة (فليس من قبيل الصدفة أن يعنون أحد مؤلفاته بعنوان يحيل الى هذه الطريقة Ficciones) التي هي أساسا تخييلية. إن بورخيس يقترح نظرية تخييلية للحكاية, ومن هنا خطورة حمله على محمل الجد. إن فكرة الضرورة والتعدد، هي التي تعطي للكتاب صورته, متحققة بإمتياز في المكتبة (أنظر قصة: مكتبة بابل, حيث لكل مجلد مكانه الحقيقي، يبدو فيه كعنصر داخل مجموعة, فالكتاب (ونعني به الحكاية) لا يوجد في الهيئة التي نعرفها إلا أنه يرتبط ضمنيا بمجموع كل الكتب الممكنة, إنه يوجد وله مكانه الحقيقي في عالم الكتب لأنه جزء من المجموع. وهنا يمكن لبورخيس أن يستخدم كل مفارقات اللانهائي. ليس للكتاب حقيقة فهو لا يفرض نفسه إلا عبر تعدده الممكن, أي خارج ذاته (في علاقته بالكتب الأخرى)، وفي ذاته أيضا (إن الكتاب من الداخل يشبه مكتبة)، فالكتاب يمتلك كثافة خاصة لأنه متطابق مع ذاته, لكن هذا التطابق ليس سوى شكل محدد للتنوع. إن أحدى بديهيات المكتبة هي أنه لا يوجد كتابان متطابقان... ويمكننا استعمال هذه البديهة لتمييز الكتاب كوحدة.: لا يوجد كتابان متطابقان في نفس الكتاب, فكل كتاب يظل مختلفا عن ذاته لأن يتضمن امكانيات وتشعبات لا نهائية, إن هذا التأمل الماكر حول الشيء ذاته وحول الآخر هو ما يصنع الموضوع. مثلما هو الشأن في القصة التي كتبها بورخيس عن "بيير مينار"، الذي كتب فصلين عن الدون كيخوطي Don Quiehote) ) " فنص سرفانتس ونص مينار متطابقان لفظيا ( Ficciones. 68. ) لكن هذا التشابه هو شكلي فقط, مشتمل على تعدد جذري. إن خدعة القراءة الجديدة المتمثلة في المفارقة الزمنية المعتمدة, ترتكز مثلا على قراءة "محاكاة المسيح » كما لو أنه عمل ليسيلين أو جويس "، ليس لها معنى حكائي فقط يقصد منه اقتراح مفاجأة مموهة, بل تحيلنا بالضرورة الى طريقة في الكتابة. 
إذن فخرافة "مينار" الحكيمة تأخذ هنا كل دلالتها: فأن تقرأ ليس في نهاية المطاف سوى انعكاس لرهان الكتابة (وليس العكس). 
إن ترددات القراءة تعيد انتاج إن لم نقل تحريف التحويلات المثبتة في الحكي نفسه. فالكتاب دائما غير مكتمل, لأنه يخفي وعودا من التنوع لا تنتهي «فلا يوجد كتاب طبع دون فروق بين طبعاته » La loterie de Babyp. 90) ) إن أدنى تحريف مادي يوحي بعدم وجود الملاءمة الضرورية للحكي مع ذاته, فهذا الأخير لا يحدثنا إلا بمقدار تحديده للزمن بالصدفة. 
لا وجود للحكاية إلا بدءا من ازدواجيتها الداخلية, هذه الازدواجية تظهر هنا كرابط وكطرف في علاقة غير متماثلة, كل حكاية في لحظة تشكلها هي إظهار لاستعادة متناقضة مع ذاتها. ففحص واختبار العمل الأدبي لـ، Herben Quain يطلعنا على هذه " الرواية - المشكل " متمثلة بشكل تام في قصة«اله المتاهة " 
) The Godof the laburisth) هناك جريمة غامضة, في الصفحات الأولى, ونقاش طويل في الصفحات الوسطى، وفي الأخير هناك حل حينما اتضح اللغز, وجدنا فقرة استرجاعية طويلة تشتمل على هذه الجملة: «ظن الكل أن اللقاء بين لاعبي الشطرنج كان زائدا" يفهم من هذه الجملة أن حل اللغز خاطيء، لذلك فالقاريء القلق يعيد قراءة الفصول الملائمة ليكشف حلا آخر أي الحل الحقيقي.إن قاريء هذا الكتاب الفريد أكثر ذكاء من مفتش الشرطة (اله المتاهة - ص 110). 
فانطلاقا من لحظة ما يبدأ الحكي من جديد عكس ذاته: فكل حكىRecit خليق بهذا النعت يحتوي في جزء منه على نقطة انقلاب ما. هذه النقطة تفتح طريقا بكامله غير مشكوك فيه بغية التفسير، وهنا بالذات يشبه بورخيس كافكا، الذي جعل من هوس التأويل مركز أعماله كلها. 
إن رمزية المتاهة لا تسعف أبدا في فهم نظرية الحكاية هذه: البسيطة والمنزلقة نحو انحدار حلم اليقظة المتدرج إن المتاهة لتضليلنا، المتاهة عوض اللغز, وتسلسلالحكاية هو هذه الصورة المقلوبة المنعكسة بدلا من النهاية, حيث تتبلور فكرة: التقسيم الذي لا ينفذ, فقطع متاهة الحكاية يتم بشكل معكوس, بغية الوصول الى مخرج, هذا الأخير يسخر منا، لأنه لا يوجد شيء وراء المتاهة, لا مركز ولا محتوى، ولا وجود لأثر هدف ما، مادمنا نتراجع بدل أن نتقدم. 
تأخذ الحكاية ضرورتها من هذا الانحراف الذي يبعدها عن ذاتها ويربطها بمضاعفها son double ويمكننا قراءة القصة البوليسية لبورخيس (الموت والبوصلة) بهذا الصدد، التي يمكن أن تكون هي العمل الأدبي لـ Herbert Quain : فسير المخبر Lomrot الحل هو اعلان عن مشكل أساسي. فحل اللغز هو إحدى نهايات اللغز نفسه. فأن نحل المشكل كلية وأن نبطل الفخ هو ألا نفك اللغز الخ.. 
ينتظم بداخل الحكاية العديد من الروايات تقوم بوظيفة تضليلية, وهنا نلمح مظهرا من مظاهر الفن الشعري لإدغار ألان بو: فالحكاية تثنى بطريقة معكوسة, تتسلسل انطلاقا من نهايتها, وهذه المرة في هيئة فن جذري تتسلسل انطلاقا من نهاية لا نعرفها أبدا حيث هي النهاية والبداية. وفي الأخير تلتف الحكاية حول ذاتها وتوهمنا بالانسجام عبر تشييد منظور لا نهائي. 
إن ما كتبه بورخيس له قيمة أخرى شبيهة بقيمة الألغاز،. فإذا بدا ظاهريا أن بورخيس يجعل قارئه يتأمل (والمثال الجيد لهذا الجنس موجود في قصة "الخرائب الدائرية " حيث الشخص الذي يحلم شخصا آخر، هو الآخر نتيجة لحلم آخر), فذلك لأنه ينتزع منه ما يفكر فيه, من هنا كان يفضل - بورخيس - استعمال مفارقات الوهم التي لا تحتوي بدقة على أية فكرة. إن بورخيس الأكثر بساطة, لكنه يوقعنا في الفخ, يسرف في استعمال نقط الحذف. وأفضل قصصه ليست تلك التي تفتح بسهولة, بل العكس تلك القصص المنغلقة كلية والتي ليس لها من مخرج. 
يحضر القراء تنفيذ الحكم, ويشهدون كل مقدمات الجريمة, حيث القصد بالنسبة لهم معروف, لكنهم لا يدركونه, فيما يبدو، إلا في نهاية الفقرة ( (Ficciones p.17. 
فحين يلخص بورخيس قصة "الحديقة ذات السبل المتشعبة هكذا في التقديم الذي وضعه لمجموعته القصصية (Ficciones ) نكون ملزمين بتصديقه دون أي دليل, فالحكاية مطوقة بالمشكل وحله (ولا داعي لطرحه). والفقرة المعلن عنها في التقديم, تمنحنا مفتاح اللغز. لكنها تقوم بذلك لقاء غموض رهيب عكس كل ما تقدمه. 
فاللغز المبدد ينكشف بطريقة ساخرة, ومقابل الخدعة علينا أن نتحمل ثقل الحكاية, فالمؤلف يخاتل ويجعل من عدم الدلالة شيئا غريبا،والحل هنا من أجل الاستعراض فقط: لا يعمل إلا على محاذاة معنى الحكاية. 
إنه تشعب جديد يغلف المغامرة ويفصح في الوقت ذاته عن المحتوى الذي لا ينضب, إن منفذا ممكنا انغلق والحكي انتهى. لكن أين هي الأبواب الأخرى؟ أو بتعبير آخر أكان الانغلاق غير تام ؟ تنفلت الحكاية, عبر النافذة الخاطئة, الى إرجاء غير محددة هكذا يبدو أن المشكل مطروح بشكل واضح, إما أن هناك معنى للحكاية وأن الحل الخاطيء رمزية وإما أنها ليست هناك رمزية, فالحل الخاطيء رمزية العبث. 
إنه هكذا نؤول أعمال بورخيس: ننهيها ونحن نمنحها أشكالا ارتيابية ذكية وليس من المؤكد أن الارتيابية ذكاء. ولا المعنى العميق لقصص بورخيس ظاهرة في هذه التهذيبات. 
سيطرح المشكل بطريقة مغلوطة, فالحكاية لها معنى، لكن هذا المعنى ليس هو ما نعتقد, إن هذا المعنى لا ينتج عن الاختيار الممكن من بين التأويلات المتعددة فطبيعته ليست تأويلية. فالمعنى لا نبحث عنه في القراءة ولكن ينبغي البحث عنه في الكتابة. 
إن استدعاءات القاريء المستمرة, تبين عسر الحكاية من حيث التطور كما لو أنها كانت متوقفة, من هنا تأتي تقنية إنشائية بسيطة تعمل على استعمال التلميح بشكل موسع, فبورخيس لا يكتب حكاية بل يشير اليها: ليس فقط الحكاية التي من الممكن أن يكتبها, لكن ما يمكن لآخرين أن يكتبوه: (انظر مثلا تحليل رواية Bouvard Pccuchet الوارد في العدد الخاص حول بورخيس من مجلة ,L'herne فهو يعكس جيدا طريقة بير مينار)، فبدل أن يسطر مسارا للحكاية, يكتفي بتسجيل امكانيتها: لهذا فمقالات بورخيس التحليلية تقيم بواسطة النقد الصريح الذي تحتوي عليه هذه الحكايات. إنها عملية شبيهة بالمشروع العميق " لبول فاليري": ضرورة التأمل في لحظة الكتابة والتفكير، هنا يصل المشروع الى منتهاه, لأن بورخيس وجد فيه الأدوات الحقيقية, إذ كيف نكتب القصة البسيطة, في حين أنها تتضمن إمكانية لا نهائية من التنوع, وأن الشكل الذي اختير لها قد يحيد عن أشكال أخرى هي الملائمة للقمة. إن الصنعة البورخيسية تسعي للاجابة عن هذا السؤال بواسطة الحكاية. حيث يختار من بين هذه الأشكال الشكل الذي, عبر لا توازنه وخاصيته المصطنعة وتناقضاته, يصون هذا السؤال, قبل أن نعود الى السبل المتشعبة, يمكننا أخذ مثال جديد أكثر شفافية إنه قصة "شكل السيف» Ficciones) ) حيث سردت الحكاية وفق صيغة من صيغ الرواية البوليسية, أضحت تقليدية حسب "أجاثا كريستي" في قصتها (جريمة قتل رويجير Achoyd ) حيث تم السرد عبر انفصال ضمير الغائب من قبل موضوع الحكاية (أنا أحكي أنه, هو يحكي أنني, فالأنا ليس هو هو، وحده ضمير الغائب "هو" يمكنه أن يؤخذ كطرف مشترك ليجعل الحكاية ممكنة). رجل يروي قصة خيانة, غير أنه يكتشف في النهاية بأنه هو الخائن, وقد تم هذا الاكتشاف عبر فكه لاحدي الامارات, فالراوي في وجهه ندبة Cieatriee وفي اللحظة الي تظهر فيها الندبة في الحكاية تنكشف الهوية, هكذا فكل تغير غير مجد لأن حضور مؤشر بليغ (الحكاية خطابة) يقوم مقامه عليه أن ينتشر في الخطاب والا فسوف تظل دلالته مختفية, يكفي أن يظهر المؤشر مرة أخرى في لحظة مميزة من لحظات الحكاية ليأخذ كل معناه. الأمر هنا يشبه مسرحية ,Phedre حيث أعلنت Phedre فوق الخشبة في بداية المشهد الأول بأنها ستموت وبأن الأقنعة خنقتها.. لقد ماتت بالفعل في نهاية الفصل الخامس: في الظاهر لم يحدث أي شيء، لقد احتاجت Phedre الى ألف وخمسمائة بيت لكي تأخذ الحركة الحاسمة معناها، لكي تعطيها حقيقتها اللغوية وحقيقتها الأدبية. 
هكذا فوظيفة الخطاب أو الحكاية واضحة, تأتينا بالحقيقة مقابل انعطاف طويل لابد أن نؤدي ضريبته,إن الخطاب يمنح أطرافه للحقيقي شريطة أن يوضع محل تساؤل وأن يظهر كخداع محض: فلن يتقدم بالضرورة نحو النهاية إلا إذا أسس لا جدواه الخاصة (ما دام أن كل شيء قد أعطى مسبقا، ولن يرتجل مقاطعة, في حرية مطلقة, إلا ليخدع السامع). 
(مادام أن كل شي ء سيعطى في النهاية) يلتف الخطاب حول موضوعه, ليعطيه ويحده بطريقة تتضمن حكايتين اثنتين: الوجه والظهر، فالمتوقع هو غير المتوقع لأن غير المتوقع هو المتوقع. 
لننظر الآن وجهة النظر المفضلة التي يختارها بورخيس. إنها تلك التي تفجر اللاتماثل بين الموضوع (الدسيسة) والكتابة الموصلة اليه, فكلما امتلأت القصة بالمعنى تتشعب الحكاية معلنة عن كل الطرق الممكنة للحكي، وكل المعاني الأخرى التي يمكنها أن تمتلك. 
وبالفعل فقصة "الحديقة ذات السبل المتشعبة ", التي يمكن أن تصلح كدعامة لمغامرة جاسوسية. تدور باتجاه لا متوقع موجه, في الحكاية يحدث شيء ما حيث الدسيسة الأساسية في غنى عنه فالشخصية الرئيسية عبارة عن جاسوس من واجبه أن يحل المسألة التي وضعت فيها الكلمات والعبارات بطريقة غامضة جدا. كي يقوم بحل المسألة يذهب الى منزل شخص يدعى Albert ولما انجز مهمته جعلنا ندرك الأمر, ففك اللغز، كما أن الأمر كان وعدا بذلك. 
في الفقرة الأخيرة تنقل القصة المنتهية خبرا، وهي فقرة ليست ذات جدوى. (فلكي يعلن الجاسوس عن انفجار مدينة Albert ,ارتكب جريمة ضد شخص يدعى Albert وجد عنوانه في دليل التليفون: هكذا ينكشف كل شيء. لكن ما الجدوى؟) إن هذا المعنى غير الدال ينتج معنى آخر وقصة أخرى ستبدو أساسية. ففي منزل Albert بالاضافة الى اسمه الذي يصلح كرقم, نجد شيئا آخر: نجد المتاهة نفسها، فالجاسوس, الذي من مهامه ملاحقة أسرار الآخرين, كان قد ذهب مباشرة الى مكان السر دون أن يعرفه في حين أنه لا يبحث عن السر ذاته, ولكنه يبحث عن وسيلة لنقل السر، إن Albert يحتفظ بالمتاهة الأكثر اكتمالا المبلورة في الذكاء الصيني: إنها الكتاب. لم يستطع ترجمته (إن لم تكن ترجمة خطية, تقرأ الخط الغامض دون أن تفك الرموز، وتدع كل تأويل جانبا. إن حقيقة السر, سره هو، هي المكان الهندسي لكل التأويلات. 
لقد حدد Albert هذا المكان, وهو يدرك بأن هذا الكتاب هو متاهة مطلقة الدخول فيما يعني التيه، ويدرك كذلك أن هذه المتاهة هي كتاب, حيث كل شيء يمكن أن يقرأ، مادام كتب هكذا (أو بالأحرى لم يكتب, مادمنا، كما سنرى أن كتابة كهذه مستحيلة). 
فالرواية المتاهية للعلامة " تسوبين " تحل كل مشاكل الحكاية( فداخل حكاية حقيقة يمكن أن نطرح فقط بعض المشكلات). 
"من المعروف أنه في كل القصص كلما عرضت حلول مختلفة يتبنى الانسان احداها ويلغي غيرها، أما في قصة «تسوبين " المتعذرة الحل تقريبا فإنه يتبنى الامكانيات جميعا في نفس الوقت "ص 129. 
إن الكتاب الكامل هو ذلك الذي ينجح في إلغاء مضاعفاتها وكل المسافات البسيطة التي يزعم اختراقها، أو بالأحرى ينجح في أن يمتصها فبالنسبة لأي حدث كل التأويلات تتعايش, فأن يطرق شخص ما الباب في القصة مثلا: فإن سارت الحكاية بطريقة مسترسلة يمكن توقع أي شيء: يمكن أن يفتح الباب أو لا يفتح, أو أن يكون هناك حل آخر إن أمكن إن خدعة المتاهة تنبني على بديهية هي: إن هذه الحلول تشكل مجموعة محددة ولكي توجد الحكاية لابد من اختيار واحد من هذه الحلول, التي تبدو ضرورية أو على الأقل حقيقية ينطلق الحكي ويتخذ اتجاها محددا، إن أسطورة المتاهة تشبه فكرة حكاية موضوعية صرفة تأخذ كل الأطراف في نفس الوقت وتطورها حتى نهايتها لكن هذه النهاية مستحيلة, والحكاية لا تعطي أبدا سوى صورة المتاهة, لأنه محتم عليها اختيار نهاية محددة وهي مضطرة لاخفاء كل التشعبات واغراقها في نسيج الخطاب. 
إن متاهة الحديقة تشبه مكتبة بابل, والكتاب الحقيقي ليس أمامه سوى الاستهلال: إنه منحنا مفتاح المتاهة, موضحا أن الآثار الحقيقية للمتاهة نجدها في شكلالحكاية العابر والمنتهي والمكتمل. 
فكل حكاية فريدة تخون فكرة المتاهة, لكنها تعطينا عنها الانعكاس المقروء. 
لقد استطاع بورخيس أن ينهي برهنته دون أن يسقط في عرض الكتاب الفنطاستيكيين التقليديين (إننا ندرك بأن بلاغة الفنطاستيك قد تبلورت في ق 17). 
في إحدى قصص بورخيس يتحدث عن شخص يدعى Melmoth هذا الأخير يلتقي بشخص ما يحكي لنا قصة حول Melmoth حيث يلتقي... دون أن تنتهي أبدا أية حكاية الأمر شبيه بتداخل الأدراج فالمتاهة الحقيقية هي أنه لا وجود للمتاهة, فأن نكتب معناه أن نفقد المتاهة. 
تتجدد الحكاية بغياب كل المحكيات الممكنة التي من خلالها تختار الحكاية. إن هذا الغياب يعمق شكل الكتاب, ويدخله في صراع لانهائي مع ذاته, إذن فبدل الرمزية المرحة للمكتبة مكان التيه بامتياز، وألغوريا الحديقة التي نضل فيها لشساعتها نعثر على الاليغورية النقدية للكتاب المفقود، الذي تبقى منه فقط الآثار ( موسوعة Tloin). 
" يكفي أن نذكر النظام الذي لاحظناه في المجلد العاشر وهو من الدقة والضبط بمكان حيث تناقضات هذا المجلد الظاهرة دليل على أن المجلدات الأخرى موجودة. (موسوعة -TIOIN بورخيس ص Ficciones - 28). 
إن الكتاب الغائب أو الناقص يظهر بعض الحضور عبر شذراته, فليس عبثا أن نتخيل أنه بدل الكتاب الجامع الذي يجمع كل التوليفات سيكون في الامكان كتابة كتاب واحد ناقص عبره تتفجر أهمية ما فقد: 
" فثمة جدال كبير حول كتابة رواية بضمير المتكلم, حيث ينسى الراوي أو يشوه الحقائق ويسقط في العديد من التناقضات التي تسمح لعدد قليل من القراء لعدد أقل اكتشاف واقع فظيع وتافه " (نفسه ص 19). 
وفي النهاية فكل حيل بورخيس لا تهدف لشيء سوى تأكيدها على امكانية بناء حكاية ما. هذا المشروع يمكننا اعتباره كنجاح واخفاق في نفس الوقت, إذا ما لمحنا أن بورخيس عبر ثغرات ونواقص الحكاية تمكن من تبيان أننا لم نفقد شيئا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق